فصل: فصل نفيس لابن حزم الظاهري:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.التفسير المأثور:

قال السيوطي:
{يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلَا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ فَآَمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلَا تَقُولُوا ثَلَاثَةٌ انْتَهُوا خَيْرًا لَكُمْ إِنَّمَا اللَّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ سُبْحَانَهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا (171)}
أخرج ابن المنذر عن قتادة في قوله: {لا تغلوا} قال: لا تبتدعوا.
وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن المنذر عن قتادة في قوله: {وكلمته ألقاها إلى مريم} قال: كلمته إن قال: كن فكان.
وأخرج عبد بن حميد والحاكم وصححه والبيهقي في الدلائل عن أبي موسى. أن النجاشي قال لجعفر: ما يقول صاحبك في ابن مريم؟ قال: يقول فيه قول الله: روح الله، وكلمته أخرجه من البتول العذراء لم يقربها بشر، فتناول عودًا من الأرض فرفعه فقال: يا معشر القسيسين والرهبان ما يزيد هؤلاء على ما تقولون في ابن مريم ما يزن هذه.
وأخرج البيهقي في الدلائل عن ابن مسعود قال: بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى النجاشي ونحن ثمانون رجلًا ومعنا جعفر بن أبي طالب، وبعثت قريش عمارة، وعمرو بن العاص، ومعهما هدية إلى النجاشي، فلما دخلا عليه سجدا له وبعثا إليه بالهدية، وقالا: إن ناسًا من قومنا رغبوا عن ديننا وقد نزلوا أرضك، فبعث إليهم حتى دخلوا عليه فلم يسجدوا له، فقالوا: ما لكم لم تسجدوا للملك؟! فقال جعفر: إن الله بعث إلينا نبيه فأمرنا أن لا نسجد إلا لله. فقال عمرو بن العاص: إنهم يخالفونك في عيسى وأمه. قال: فما يقولون في عيسى وأمه؟ قالوا: نقول كما قال الله: هو روح الله وكلمته ألقاها إلى العذراء البتول التي لم يمسسها بشر، فتناول النجاشي عودًا فقال: يا معشر القسيسين والرهبان ما تزيدون على ما يقول هؤلاء ما يزن هذه، مرحبًا بكم وبمن جئتم من عنده، فأنا أشهد أنه نبي، ولوددت أني عنده فأحمل نعليه، فانزلوا حيث شئتم من أرضي.
وأخرج البخاري عن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تطروني كما أطرت النصارى عيسى ابن مريم، فإنما أنا عبد، فقولوا: عبدالله ورسوله».
وأخرج مسلم عن عبادة بن الصامت عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من شهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدًا عبده ورسوله، وأن عيسى عبدالله ورسوله وكلمته ألقاها إلى مريم، وروح منه، والجنة حق، والنار حق، أدخله الله من أبواب الجنة الثمانية، من أيها شاء على ما كان من العمل». اهـ.

.فصل نفيس لابن حزم الظاهري:

قال رحمه الله:
ومما يعترض به علينا اليهود والنصارى ومن ذهب إلى إسقاط الكواف من سائر الملحدين إن قال قائلهم قد نقلت اليهود والنصارى أن المسيح عليه السلام قد صلب وقتل وجاء القرآن بأنه صلى الله عليه وسلم لم يقتل ولم يصلب فقولوا لنا كيف كان هذا فإن جوزتم على هذه الكواف العظام المختلفة الأهواء والأديان والأزمان والبلدان والأجناس نقل الباطل فليست بذلك أولى من كافتكم التي نقلت أعلام نبيكم وشرائعه وكتابه. فإن قلتم اشتبه عليهم فلم يتعمد وانقل الباطل. فقد جوزتم التلبيس على الكواف فلعل كافتكم أيضًا ملتبس عليها فليس سائر الكواف أولى بذلك من كافتكم وقولوا لنا كيف فرض الإقرار بصلب المسيح عندكم قبل ورود الخبر عليكم ببطلان صلبه وقتله. فإن قلتم كان الفرض على الناس الإقرار بصلبه. وجب من قولكم الإقرار أن الله تعالى فرض على الناس الإقرار بالباطل وأن الله تعالى فرض على الناس تصديق الباطل والتدين به وفي هذا ما فيه. وإن قلتم كان الفرض عليكم الإنكار لصلبه. فقد أوجبتم أن الله تعالى فرض على الناس تكذيب الكواف وفي هذا إبطال قول كافتكم بل إبطال جميع الشرائع بل إبطال كل خبر كان في العالم عن كل بلد وملك ونبي وفيلسوف وعالم ووقعتم وفي هذا ما فيهدوا من دم ولا شهوة اللحم ولاباه رجل ولكن توالدوا من الله فصح بهذا أن لكل نصراني من ولادة الله والأزلية والكون من جوهر الأب كالذي لمسيح سواءً بسواء ولا فرق وإلا فقد كذب يوحنا اللعين قائل هذا الكفر وأهل الكذب هو وهذا ما لا انفكاك منه وهذا يلزم الأشعرية الذين يقولون بأن علم الله تعالى وقدرته هما غير الله تعالى عما يقولون علوًا كبيرًا ومما يعترض به علينا اليهود والناصرى ومن ذهب إلى إسقاط الكواف من سائر الملحدين إن قال قائلهم قد نقلت اليهود والنصارى أن المسيح عليه السلام قد صلب وقتل وجاء القرآن بأنه صلى الله عليه وسلم لم يقتل ولم يصلب فقولوا لنا كيف كان هذا فإن جوزتم على هذه الكواف العظام المختلفة الأهواء والأديان والأزمان والبلدان والأجناس نقل الباطل فليست بذلك أولى من كافتكم التي نقلت أعلام نبيكم وشرائعه وكتابه. فإن قلتم اشتبه عليهم فلم يتعمد وانقل الباطل. فقد جوزتم التلبيس على الكواف فلعل كافتكم أيضًا ملتبس عليها فليس سائر الكواف أولى بذلك من كافتكم وقولوا لنا كيف فرض الإقرار بصلب المسيح عندكم قبل ورود الخبر عليكم ببطلان صلبه وقتله. فإن قلتم كان الفرض على الناس الإقرار بصلبه. وجب من قولكم الإقرار أن الله تعالى فرض على الناس الإقرار بالباطل وأن الله تعالى فرض على الناس تصديق الباطل والتدين به وفي هذا ما فيه. وإن قلتم كان الفرض عليكم الإنكار لصلبه. فقد أوجبتم أن الله تعالى فرض على الناس تكذيب الكواف وفي هذا إبطال قول كافتكم بل إبطال جميع الشرائع بل إبطال كل خبر كان في العالم عن كل بلد وملك ونبي وفيلسوف وعالم ووقعتم وفي هذا ما فيه.
قال أبو محمد رضي الله عنه هذه الإلزامات كلها فاسدة في غاية الحوالة والاضمحلال بحمد الله تعالى ونحن مبينون ذلك بالبراهين الضرورية بيانًا لا يخفى على من له أدنى فهم بحول الله تعالى وقوته. فنقول وبالله التوفيق إن صلب المسيح عليه السلام لم يقله قط كافة ولا صح بالخبر قط لأن الكافة التي يلزم قبول نقلها هي إما الجماعة التي يوقن أنها لم تتواطأ لتنابذ طرقهم وعدم التقائهم وامتناع اتفاق خواطرهم على الخبر الذي نقلوه عن مشاهدة أو رجع إلى مشاهدة ولو كانوا اثنين فصاعدًا وإما أن يكون عدد كثير يمتنع منه الاتفاق في الطبيعة على التمادي على سنن ما تواطؤا عليه فأخبروا بخبر شاهدوه ولم يختلفوا فيه فما نقله أحد هاتين الصفتين عن مثل إحداهما وهكذا حتى يبلغ إلى مشاهدة فهذه صفة الكافة التي يلزم قبول نقلها ويضطر خبرها سامعها إلى تصديقه وسواء كانوا عدولًا أو فساقًا أو كفارًا ولا يقطع على صحته إلا ببرهان فلما صح ذلك نظرنا فيمن نقل خبر صلب المسيح عليه السلام فوجدناه كواف عظيمةً صادقة بلا شك في نقلها جيلًا بعد جيل إلى الذين ادعوا مشاهدة صلبه فإن هنالك تبدلت الصفة ورجعت إلى شرط مأمورين مجتمعين مضمون منهم الكذب وقبول الرشوة على قول الباطل والنصارى مقرون بأنهم لم يقدموا على أخذه نهارًا خوف العامة وإنما أخذوه ليلًا عند افتراق الناس عن الفصح وأنه لم يبق في الخشبة إلا ست ساعات من النهار وأنه أنزل إثر ذلك وأنه لم يصلب إلا في مكان نازح عن المدينة في بستان فخار متملك للفخار ليس موضعًا معروفًا بصلب من يصلب ولا موقوفًا لذلك وأنه بعد هذا كله رسي الشرط على أن يقولوا أن أصحابه سرقوه ففعلوا ذلك وأن مريم المجدلانية وهي امرأة من العامة لم تقدم على حضور موضع صلبه بل كانت واقفة على بعد تنظر هذا كله في نص الإنجيل عندهم فبطل أن يكون صلبه منقولًا بكافة بل بخبر يشهد ظاهره على أنه مكتوم متواطأ عليه وما كان الحواريون ليلتئذ بنص الإنجيل إلا خائفين على أنفسهم غيبًا عن ذلك المشهد هاربين بأرواحهم مستترين وإن شمعون الصفا غرر ودخل دار قيقان الاهن أيضًا بضوء النهار فقال له أنت من أصحابه فانتفى وجحد وخرج هاربًا عن الدار فبطل أن ينقل خبر صلبه أحد تطيب النفس عليه على أن نظن به الصدق فكيف أن ينقله كافةٌ وهذا معنى قوله تعالى: {ولكن شبه لهم} إنما عنى تعالى أن أولئك الفساق الذين دبروا هذا الباطل وتواطؤا عليه هم شبهوا على من قلدهم فأخبروهم أنهم صلبوه وقتلوه وهم كاذبون في ذلك عالمون أنهم كذبة ولو أمكن أن يشبه ذلك على ذي حاسة سليمة لبطلت النبوات كلها إذ لعلها شبهت على الحواس السليمة ولو أمكن ذلك لبطلت الحقائق كلها ولأمكن أن يكون كل واحد منا يشبه عليه فيما يأكل ويلبس وفيمن يجالس وفي حيث هو فعله نائم أو مشبه على حواسه وفي هذا خروج إلى السخف وقول السوفسطائية والحماقة وقد شاهدنا نحن مثل ذلك وذلك أننا اندرنا للجبل لحضور دفن المؤيد هشام بن الحكم المستنصر فرأيت أنا وغيري نعشًا فيه شخص مكفن وقد شاهد غسله شيخان جليلان حكمان من حكام المسلمين ومن عدول القضاة في بيت وخارج البيت أبي رحمه الله وجماعة عظماء البلد ثم صلينا في ألوف من الناس عليه ثم لم يلبث إلا شهورًا نحو السبعة حتى ظهر حيًا وبويع بعد ذلك بالخلافة ودخلت عليه أنا وغيري وجلست بين يديه ورأيته وبقي ثلاثة أعوام غير شهرين وأيام.
قال أبو محمد رضي الله عنه وأما قوله قد جوزتم التمويه على الكافة فقد بينا أنها لم تكن كافة قط وحتى لو صح أنها كافة فكيف لا يجوز ذلك في كل آية تحيل الطبائع والحواس فهو ضرورة لا يحمل على الممكنات فلو صح أنها كانت كافة لكان خبر الله تعالى أنه شبه لهم حاكمًا على حواسهم ومحيلًا لها كخروج النبي صلا الله عليه وسلم ليلة هاجر بحضرة مائة رجل من قريش وقد حجب الله سبحانه أبصارهم عنه فلم يروه. وأما ما لم يأت خبر عن الله عز وجل بأنه شبه على الكافة فلا يجوز أن يقال ذلك لأنه قطع على المحال وإحالة طبيعة وإحالة الطبائع لا تدخل في الممكن إلا أن يأتي بذلك يقين عن الله عز وجل فيلزم قبوله. وأما التشيه على الواحد والاثنين ونحو ذلك فإنه جائز وكذلك فقد العقل والسخافة يجوز ذلك على الواحد والاثنين ونحو ذلك ولا يجوز على الجماعة كلها. وقوله تعالى: {وما قتلوه وما صلبوه ولكن شبه لهم} إنما هو إخبار عن الذين يقولون تقليدًا لأسلافهم من النصارى واليهود أنه عليه السلام قتل وصلب فهؤلاء شبه لهم القول أي أدخلوا في شبهة منه وكان المشبهون لهم شيوخ السوء في ذلك الوقت وشرطهم المدعون أنهم قتلوه وصلبوه وهم يعلمون أنه لم يكن ذلك وإنما أخذوا من أمكنهم فقتلوه وصلبوه في استتار ومنع من حضور الناس ثم أنزلوه ودفنوه تمويهًا على العامة التي شبه الخبر لها. ثم نقول لليهود والنصارى بعد أن بينا بحول الله وقوته بيان ما شنعوه في هذه المسئلة أن كوافكم قد نقلت عن بعض أنبيائكم فسوقًا ووطء إماء وهو حرام عندكم وعن هارون عليه السلام أنه هو الذي عمل العجل لبني إسرائيل وأمرهم بعبادته والرقص أمامه وقد نزه الله تعالى الأنبياء عليهم السلام عن عبادة غيره وعن الأمر بذلك وعن كل معصية ورذيلة فإذا جوزوا كلهم هذا على أنبياء منهم موسى عليه السلام وسائر أنبيائهم كان كل ما أمروهم به من جنس عمل العجل والرقص والأمر بعبادته ومن جنس وطء الإماء وسائر ما نسبوه إلى داود وسليمان عليهما السلام وسائر أنبيائهم لاسيما وهم يقرون بأن العجل كان يخور بطبعه. وأما نحن فجوابنا في هذا كله بأن ليس شيء منه نقل كافة ولكن نقل آحاد كذبوا فيه وأما خوار العجل فإنما هو على ما روينا عن ابن عباس رضي الله عنه من أنه إنما كان صفير الريح تدخل من فيه وتخرج من دبره لا أنه خار بطبعه قط وحتى لو صح أنه خار بطبعه لكان ذلك من أجل القوة التي كانت في القبضة التي قبضها السامري من إثر جبريل عليه السلام والذي يعتمد عليه فهو قول ابن عباس رضي الله عنه الذي ذكرناه وبالله تعالى التوفيق. وأما قوله كيف كان الفرض قبل ورود النص ببطلان صلبه الإقرار بصلبه أم الإنكار له فهذه قسمة فاسدة شغبية قد حذر منها الأوائل كثيرًا ونبه عليها أهل المعرفة بحدود الكلام وذلك أنهم أوجبوا فرضًا ثم قسموه على قسمين إما فرض بإنكار وإما فرض بإقرار وأضربوا عن القسم الصحيح فلم يذكروه وهذا لا يرضى به لنفسه إلا جاهل أو سخيف مغالط غابن لنفسه غاش لمن اغتر به وإنما الحقيقة هاهنا أن يقول هل يلزم الناس قبل ورود القرآن فرض بالإقرار بصلب المسيح أو بإنكار صلبه أو لم يلزمهم فرض بشيء من ذلك فهذه هي القسمة الصحيحة والسؤال الصحيح وحق الجواب أنه لم يلزم الناس قط قبل ورود القرآن فرض بشيء من ذلك لا بإقرار ولا بإنكار وإنما كان خبرًا لا يقطع العذر ولا يوجب العلم الضروري ممكن صدق قائله فقد قتل أنبياء كثيرة وممكن أن يكون ناقله كذب في ذلك وهو بمنزلة شيء مغيب في دار فيقال لهذا المعرض بهذا السؤال الفاسد ما الفرض على الناس فيما في هذه الدار الإقرار بأن فيها رجلًا أم الإنكار لذلك فهذا كله لايلزم منه شيء. ولم ينزل الله عز وجل كتابًا قبل القرآن بفرض إقرار بصلب المسيح صلى الله عليه وسلم ولا بإنكاره وإنما ألزم الفرض بعد نزول القرآن بتكذيب الخبر بصلبه. فإن قالوا قد نقل الحواريون صلبه وهم أنبياء وعدول. قيل لهم وبالله التوفيق الناقلون لنبوتهم وإعلامهم ولقولهم بصلبه عليه السلام هم الناقلون عنهم الكذب في نسبه والقول بالتثليث الذي من قال به فهو كاذب على الله تعالى مفتر عليه كافر به فإن كان الناقل لذلك عنهم صادقًا أو كانوا كافة فما كان يوحنا ومتى وبولس إلا كفارًا كاذبين وما كانوا قط من صالحي الحواريين وإن كان ناقل ما ذكرنا عنهم كاذبًا فالكاذب لا يقوم بنقله حجة فبطل التمويه المتقدم والحمد لله رب العالمين.